
المحور الأول ( تابع) النمو الاقتصادي، العولمة و التحولات الاجتماعية منذ منتصف القرن XIX.
الجزء الثالث.: المجتمع الفرنسي و الهجرة.
I) من 1900 إلى 1945: كانت الهجرات نحو فرنسا أوربية.
1) هجرات بحثا عن العمل أو طلبا للجوء:
-
منذ منتصف القرن XIX كان المهاجرون من إيطاليا و إسبانيا و بلجيكا نحو مناجم الفحم بشمال البلاد. تزامنت هذه الفترة مع زيادة وثيرة التصنيع و التراجع النسبي للولادات.
-
سنة 1936 استقبلت فرنسا حوالي 3 مليون أجنبي، و هو ما يمثل 7٪ من الساكنة، أغلبهم من بلونيا و إيطاليا و إسبانيا و بلجيكا.
-
كما قصد فرنسا لاجؤون أرمنيون و روس خلال العشرينيات، و استقبلت خلال الثلاثينبات لاجئين فارين من النظام النازي من ألمانيا، و النظام الفاشي الإيطالي،و إسبانيا الفرنكاوية.
2) الاندماج في المجتمع الفرنسي بين الأسطورة و الواقع.
-
منذ النصف الثاني من القرن XIX ، احتاجت فرنسا إلى اليد العاملة و الجنود. نص أول قانون للجنسية لسنة 1889، على تمديد حق الجنسية للأطفال الذين ولدوا في فرنسا من آباء غير فرنسيين ( droit de sol )، و الأطفال الذين يكون أحد أبويهم فرنسيا (droit de sang ) كما نص هذا القانون على منح الجنسية للمقيمين بفرنسا بموجب مجموعة من الشروط.
-
اعتمدت الجمهورية الفرنسية على المدرسة و الزواج و العمل لدمج أبناء المهاجرين كي يصبحوا مواطنين مستعدين للعمل من أجل فرنسا و الدفاع عنها. 3) أزمة الثلاثينيات و نظام فيشي: كراهية الأجانب.
-
الواقع أن كراهية الأجانب لم ترتبط حصريا بهذه المرحلة، بل تجلت كذلك في فترات الأزمات بين أوساط العمال و الفلاحين، كما أن صحافة اليمين المتطرف (L'action française) روجت لأفكار و أدبيات ضد الدخيل و الأجنبي غير المرغوب فيه.
-
أدت أزمة الثلاثينيات إلى اتخاذ الإجراءات الأولى للحد من الهجرة نحو فرنسا، يتجلى ذلك في قانون 1932،الذي نص على حماية اليد العاملة الوطنية من منافسة اليد العاملة الأجنبية. بعد مرحلة حكم الجبهة الشعبية (le front populaire) صدرت مراسيم لطرد المهاجرين غير المرغوب فيهم و خاصة من الإسبان.
سنة 1940، تحت حكم فيشي صدر قانون لاعتقال اليهود الأجانب، و في نفس السنة صدر قانون لاتخاد تدابير ضد المهاجرين " الفائضين" في الاقتصاد الوطني الفرنسي. II) الهجرة خلال الثلاثينيات المجيدة ( 1945 إلى 1975 )
1) تشجيع الهجرة نحو فرنسا.
-
خلال الثلاثينيات المجيدة، تضاعف عدد المهاجرين نحو فرنسا لأعادة بناء ما دمرته الحرب، و نتيجة تزايد الحاجة إلى اليد العاملة بسبب النمو الاقتصادي، كما قدمت أفواج من المهاجرين خلال الخمسينيات من إسبانيا و البرتغال و المغرب و تونس و الجزائر، و منذ بداية الستينيات من آسيا و إفريقيا جنوب الصحراء...
-
تأسس المكتب الوطني للهجرة ( ONI ) سنة 1946 ووقع اتفاقيات مع الدول المعنية بالهجرة نحو فرنسا، و منح بطاقات الإقامة من سنة إلى عشر سنوات، و اعتبرت هذه الهجرات ظرفية.
اشتغل أغلب المهاجرين في وظائف لا تتطلب تأهيلا عاليا في قطاع السيارات و الصناعات المعدنية و البناء و المناجم و كيد عاملة زراعية.
2) الصعوبات التي واجهها العمال المهاجرون:
-
أول صعوبة كانت في السكن، حيث استقر أغلب المهاجرين في ضواحي المدن الكبرى، في ظروف صعبة لا تتوفر بها أبسط الشروط الصحية.مع ارتفاع الهجرة القروية، تعدر على فرنسا الاستجابة للحاجات الملحة و المتصاعدة للسكن، و ظهرت دور للصفيح في بعض الضواحي.
-
مع الوضعية الاستعجالية التجأت فرنسا إلى السكن الاقتصادي ( HLM ) الذي أدى إلى عزل هذه الفئات المهاجرة الشيء الذي سيترتب عنه مجموعة من المشاكل الاجتماعية لاحقا.
III) منذ 1975: إشكالية مراقبة الهجرة و الاندماج
1) منذ 1974 أصبحت قضية الهجرة معلقة رسميا و تحولت تدريجيا إلى مشكل سياسي.
-
غداة الصدمة الأولى للبترول سنة (1973) و بداية الأزمة الاقتصادية و ارتفاع البطالة، قررت الحكومة الفرنسية تعليق هجرة العمال و العائلات، رغم صدور مرسوم التجمع العائلي سنة 1976 تحت مجموعة من الشروط.
-
منذ السبعينيات حدت الحكومة الفرنسية من الهجرة، لكنها بقيت تستقبل بعض العائلات و اللاجئين السياسيين، و تزايدت الهجرة غير الشرعية.
-
إذا تناقص عدد المهاجرين فلأن أغلبهم حصل على الجنسية الفرنسية حسب الشروط التي ينص عليها القانون الفرنسي، الشيء الذي أدى إلى خلط بين المهاجر و الأجنبي...هكذا طرحت مشكلة اندماج الجيل المنحدر من المهاجرين.
2) تحولت الهجرة إلى مشكل سياسي.
-
خلال الثمانينيات تحولت الهجرة إلى رهان سياسي، حيث اعتبر حزب الجبهة الوطنية ( Front National ) المهاجرين سببا في الأزمة و ارتفاغ البطالة، هكذا بدأت السياسية الفرنسية تتأرجح بين تسوية وضعية المهاجرين غير الشرعيين (sans -papiers) كما هو الحال مع الحكومات الاشتراكية خلال الثمانينيات أو سياسات الحد من تسوية الوضعيات مثل قانون باسكوا (loi Pasqua) سنة 1993.
-
في مواجهة صعود اليمين المتطرف منذ الثمانينيات، كان أكبر مظهر لهذا الصعود هو وصول (Jean- Marie Le Pen) زعيم حزب الجبهة الوطنية إلى الدور الثاني من الانتخابات التشريعية سنة 2002، ظهرت جمعيات ضد الميز العنصري مثل (SOS racisme) للدفاع عن حقوق المهاجرين...
3) الوضعية الراهنة للهجرة و الاندماج.
-
تعقدت مشكلة الهجرة نتيجة تداخل مجموعة من العوامل ، فمراقبة الحدود أصبحت تتم في إطار مجال "شنغن" و ليس على الحدود الوطنية،كما أن العولمة خلقت تدفقات بشرية جديدة على المستوى العالمي تصعب مراقبتها و التحكم فيها، و شيخوخة المجتمع الفرنسي فرضت البحث عن بدائل و الاعتماد على الهجرة لتعويض النقص في اليد العاملة.
-
تحول النقاش حول الهجرة إلى مشكلة المملرسات الدينية و الطائقية التي تعرقل الاندماج في المجتمع الفرنسي و تتعارض مع مبادء و قيم الديمقراطية حسب زعم المعارضين لتسوية وضعية الأجانب...