مشروع أوربا السياسية منذ مؤتمر لاهاي
مقدمة تعود فكرة أوربا السياسية إلى مر احل تاريخية قديمة، لكن بداية تحققها على أرض الواقع انطلقت فعليا بعيد الحرب العالمية الثانية
لمواجهة مستجدات الحرب العالمية
في الوقت الذي حققت فيه المنجزات الاقتصادية تحولات و نتائج ملموسة بقيت الوحدة السياسية متعترة ،نتيجة التباين في الاختيارات بين الدول الاعضاء بين التوجهات الفيدرالية و الكونفدرالية و البراغماتية
ما العوائق التي يواجهها هذا البناء اليوم؟
1948 تطور مشروع أوربا السياسية منذ
صدمة الحربين العالميتين جعلت الوحدة الاوربية ضرورة ملحة
تعود فكرة أوربا الموحدة سياسيا إلى مراحل سابقة من تاريخ أوربا، و من أبرز روادها فكتور هيغو و بريان .إلا أن ذلك لم ينجح في وضع مؤسسات ذات طابع فوق ــ قومية، كما أن الازمة الاقتصادية و تصاعد التيارات القومية خلال الثلاثينيات و ظهور الانظمة الشمولية جعلت التقارب بين الدول الاوربية مسألة جد صعبة
لكن الحرب العالمية الثانية أيقضت الضمير الأوربي ، فأصبح التقارب بين دول القارة الأوربية سبيلا لضمان سلم دائم و تحقيق مصالحة فرنسية ــ ألمانية
لاعادة بناء الاقتصاد الاوربي و استرداد مكانتها السياسية والدبلوماسية بين الدول، خاصة بعد بروز القوتين العظميين الولايات المتحدة و الاتحاد السوفيتي
في سنة 1946 نادى تشرشل في خطاب زوريخ بضرورة بناء "الولايات المتحدة الاوربية " مباشرة بعد ذلك ظهرت العديد من الجمعيات للتمهيد لهذه الفكرة كما ساهمت الولايات المتحدة في التقارب من خلال مشروع مارشال، فنشأ عن ذلك في سنة 1948 "المنظمة الاوربية للتعاون الاقتصادي" التي أول لبنة في البناء الاوربي، أما على المستوى العسكري فقد اعتمدت الدول الاوربية على الولايات المتحدة للدفاع عنها بتوقيعها على معاهدة "حلف الشمال الاطلنتي" سنة 1949
الاندماج الاوربي ما بين 1948 / 1957
جمع مؤتمر لاهاي في ماي 1948 تحت رئاسة تشرشل 800 مشارك من 18 دولة اوربية، بهذف تحقيق التعاون الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و السياسي لكن سرعان ما ظهرت الاختلافات بين المؤتمرين في وجهات النظر حول الأهداف و الطرق و قد ظهرت ثلاث تيارات أساسية
الكونفدراليون : الذين طالبوا بوحدة أوربية مع احترام السيادة الوطنية لكل دولة
الفدراليون : الذين دافعوا عن فكرة أوربا ما فوق ـــ قومية
العمليون : الذين طالبوا بتأسيس أوربا فدرالية يبدأ أولا بالاندماج الاقتصادي
كما اقترح المؤتمر تأسيس المجلس الاوربي الذي ظهر إلى الوجود في ماي 1949 بهدف تحقيق التقارب السياسي و الاقتصادي و الثقافي بين الدول الاوربيةكما هدف إلى الدفاع عن حقوق الانسان و الديمقراطية و السلم بأوربا
غير أن افتقار هذا المجلس لسلطة حقيقية على الدول ،وضعف إمكاناته كان مصدرا لخيبة أمل الاوربيين ، لكنه مع ذلك وفر فضاء للحوار و تبادل الآراء
سنة 1951 تكونت "المجموعة الاوربية للفحم و الصلب" و قد كان و راء هذه الفكرة كل من مونيه و شومان اللذان كانا مقتنعان بأن البناء الاوربي يجب أن يتم كل من دول البنلوكس و فرنسا و ألمانيا الغربية مع رفض بريطانبا الانضمام إلى هذه المجموعة CECA انطلاقا من منجزات ملموسة ،و قد تضمنت
فشل البناء السياسي و العسكري
عبرت الولايات المتحدة عن رغبتها في تسليح ألمانيا ،الشئ الذي أثار مخاوف دول أوربا الغربية و لذلك أنشأت المجموعة الاوربية للدفاع بموجب اتفاقية باريس
سنة 1952 بمؤسسات مستوحاة من المجموعة الاوربية للفحم و الصلب و تكوين قوات مسلحة مشتركة تحت إشراف حلف الشمال الاطلسيCED
موازاة مع هذا المشروع الدفاعي ظهرت فكرة مجموعة سياسية أوربية بهذف خلق هيئة سياسية عليا للاشراف على المؤسسات و مراقبة الجيش، لكن الجمعية الوطنية الفرنسية رفضت المصادقة على المجموعة الاوربية للدفاع مما أدى إلى وضع نهاية لاية محاولة للاندماج ما فوق ــ قومي في الميدان السياسي و العسكري
أزمات و صعوبات أوربا السياسية ما بين 1958 / 1991
إعادة إطلاق مشروع أوربا من خلال الميدان الاقتصادي
بعد فشل مشروع "المجموعة الاوربية للدفاع" اقترح وزراء خارجية الدول الستة في مؤتمر "مسين" سنة 1955 إعادة إطلاق المشروع الاوربي الاقتصادي بهدف تحقيق الاندماج الاوربي التدريجي قطاعيا . و في هذا الإطار انعقد مؤتمر روما في مارس 1957 التي انبثقت عنها "المجموعة الاقتصادية الاوربية" التي تهدف إلى خلق سوق مشتركة تسمح بحرية تنقل البضائع و رؤوس الأموال و الافراد بين الدول الاعضاء و إنشاء "الاوراطوم" المجموعة الاوربية للطاقة الذرية
:لتسيير المجموعة الاقتصادية الاوربية تم اعتماد مؤسسات مستوحاة من المجموعة الاوربية للفحم و الصلب
اللجنة الاوربية : مهمتها اقتراح التوجهات و القوانين لمجلس الوزراء و الاشراف على تنفيذها
مجلس الوزراء : يتكون من وزراء الدول الاعضاء الذين يجتمعون بشكل قطاعي
البرلمان الاوربي له سلطة استشارية يكون عدد اعضائه متناسبا مع عدد السكان البلد
محكمة العدل تشرف على مدى احترام الدول الاعضاء لمضمون المعاهدات و الاتفاقيات
مشروع اوربا السياسية و الاعتراض الفرنسي 1958 / 1969
مع عودة دوغول إلى السلطة سنة 1958 قبل بالمجموعة الاقتصادية الاوربية ،التي اعتبرها وسيلة تتمكن من خلالها فرنسا إثبات مكانتها داخل أوربا في هذا الاطار عارض دخول انجلترا إلى المجموعة الاوربية نتيجة ارتباطها بالولايات المتحدة ،و اقترح دوغول تعاونا بين الحكومات في المجال الدبلوماسي و الدفاع سنة 1961
غير أن هذا المشروع لقي معارضة من طرف الدول الاعضاء
لتقوية السلطات طالب رئيس اللجنة الاوربية أن بتم التصويب بالأغلبية في مجلس الوزراء وهذا ما معناه قبول الدول لقرارات قد لا تناسبها مما دفع بفرنسا إلى الاحتجاج بالتوقف عن حضور الاجتماعات لمدة 6 أشهر و قد عرفت هذه الأزمة "بأزمة الكرسي الفارغ" و في 1966 حصلت فرنسا على مبتغاها و الاحتفاض بالتصويت بالاجماع في القضايا المهمة
أوربا السياسية تطور بطيء
مر التوسع الاوربي بعدة مراحل فحتى حدود السبعينيات لم يتجاوز عدد دول المجموعة 9 دول و خلال هذه المرحلة تم إنشاء المجلس الأوربي سنة 1974 الذي أصبح يجتمع مرتين في السنة على الاقل لحل القضايا المهمة و وضع التوجهات الكبرى كما أصبح مكلفا بإسماع صوت أوربا و تمت تقوية البرلمان و أصبحت المجموعة الاوربية تمتلك موارد خاصة و ميزانية يراقبها البرلمان
خلال التمانينيات و مع انتهاء الانظمة الدكتاتورية في كل من اسبانيا و البرتغال و اليونان ألتحقت هذه الدول بالمجموغة الاوربية اليونان سنة 1981 و اسبانيا و البرتغال سنة 1986
في سنة1984 اقترح على البرلمان الاوربي مشروع دستور أوربي بهدف إنشاء وحدة سياسية في إطار فدرالي لكن برلمانات الدول الاعضاء رفضته لهذا اقترح جاك دولور الذي كان يترأس اللجنة الاوربية "العقد الوحيد" لاعادة إطلاق أوربا السياسية و يهدف هذا العقد إلى إنشاء سوق كبرى موحدة سنة 1993 لتعميق التعاون بين الدول في المجال السياسة الخارجية و قد أصبح لهذا الاتحاد علما أورق تتوسطه دائرة و عملة موحدة و نشيدا و طنيا
مع بداية التسعينيات نشأ الاتحاد الاوربي مع توقيع معاهدة ماستريخت في فبراير 1992 و يذلك بدأ تراجع السيادات الوطنية نحو منطق ما فوق ــ القومية
:تقوم المعاهدة على ثلاثة أسس
تعميق السوق الموحدة و خلق عملة أوربية من أجل تأكيد الوحدة النقدية و الاقتصادية
نهج سياسة خارجية و دفاعية موحدة
التعاون في المجال السياسي و القضائي
كما تم خلق بنك مركزي و مواطنة أوربية و توسعت السلطات التشريعية للبرلمان
لازال ورش أوربا السياسية مفتوحا منذ 1992
توسع الاتحاد الاوربي و رهاناته
مع نهاية الحرب الباردة تزايد عدد الدول المترشحة للانضمام إلى الاتحاد الاوربي و في قمة كوبنهاغن تم وضع شروط للانضمام و هكذا التحقت سنة 1995 كل من التمسا و السويد و فنلندة ثم التحقت 10 دول من الجمهوريات الاشتراكية السابقة و في سنة 2004 انصافت مالطا و قبرص و في سنة 2007 التحقت كل من رومانيا و بلغاريا
غير أن هذا التوسع طرح قضية الحدود الاوربية، فطالبت تركيا بانضمامها إلى الاتحاد مما تسبب في انقسام الرأي العام و التشكيلات السياسية ما بين معارض لهذا الانضمام بدعوى ملف حقوق الانسان و الاختلافات الثقافية و بين مساندين له بالنظر إلى الموقع الاستراتيجي لتركيا لربط أوربا بالشرق الاوسط
كما تسبب هذا التوسع في طرح مشكلة تحديد الهوية الاوربية بسبب الاختىلافات السياسية و الثقافية و الاقتصادية بين الدول
لتجاوز هذه الصعوبات تم التفكير في وضع دستور أوربي غير ان رفض الفرنسيين و الهولنديين لهذا المشروع سنة 2005 جعل أوربا تدخل مرحلة الغموض
للخروج من هذا المأزق تم تبني مجموعة من المقترحات التي تم التوقيع عليها في معاهدة لشبونة سنة 2007 و التي دخلت حيز التنفيذ سنة 2009 حيث عملت على تقوية السلطة التشريعية للبرلمان الاوربي
بناء سياسي لم يكتمل بعد
يعاني الاتحاد الاوربي من غياب على الساحة السياسية الدولية لأنه لا بتحدث بصوت واحد في المحافل الدولية كما أنه يفتقر لقوة عسكرية و يدخل تحت تبعية حلف الشمال الاطلنتي
و من جهة أخرى لا زالت بعض الدول مترددة بين أوربا الفدرالية فوق قومية أو أوربا الكنفدرالية، فدفاعا عن السيادة الوطنية لا زالت بعض الدول ترفض الانحراط في بعض البرامج مثل مجال شنغن او عملة الأورو و مما زاد من تعميق هذه المشكلة الازمة المالية الأحيرة التي كشفت عدم انسجام السياسات الاقتصادية
رغم معاهدة ماستريخت التي وضعت أسس المواطنة الاوربية و ميثاق سنة2000 الذي حدد الحقوق الأساسية للمواطن الاوربي كحرية التنقل و العمل و الدراسة و توحيد الشواهد فإن الشعور بالمواطنة الاوربية يبقى محدودا لانشغال المواطن بالقضايا الوطنية الداخلية أكثر من قضايا الاتحاد