top of page

 وسائل الإعلام  و الرأي العام في خضم الأزمات السياسية الكبرى بفرنسا منذ قضية دريفوس 

 تزامن مشروع تقوية النظام الجمهوري بفرنسا في نهاية القرن التاسع عشر على عهد الجمهورية الثالثة مع تطور وسائل الإعلام التي واكبت تشكل الرأي العام

و قد أثمر التفاعل بينهما تحول الإعلام إلى فاعل أساسي في تطور الحياة الديمقراطية خاصة خلال الأزمات السياسية الكبرى على امتداد القرن

  •  العشرين

 ما الفعل الذي أحدثه ظهور و تطور الفعل الجماهيري في مسار الحياة السياسية الفرنسية منذ قضية دريفوس؟

كيف أصبحت وسائل الإعلام السمعية البصرية منذ الحرب العالمية الثانية سلطة مؤثرة في مجرى الحياة الديمقراطية الفرنسية؟

 كيف تفاعلت سلط الجمهوريات الرابعة و الخامسة مع دينامية تحول المشهد الإعلامي كسلطة رابعة معبرة عن الرأي العام؟

    أولا :الصحافة و الحياة السياسية في عهد الجمهورية الثالثة

العصر الذهبي للصحافة الورقية

استفاذ قطاع الإعلام المكتوب من قانون الصحافة الصادر في يوليوز1881 إذ تضاعف إصدار الجرائد و تزايدت نسبة المقروئية بتثبيت قرارات جول   فيري  المتعلقة بالنهوض بالتعليم كما رفعت الرقابة على النشر و التوزيع ما أدى إلى بروز  اتجاهين في الصحافة الورقية

صحافة الرأي التي كانت تعبر عن التوجهات السياسة و الايديلوجية

الصحافة الإخبارية التي كانت تدعي الحياد رغم ارتباطها بالأوساط الرأسمالية

مكنت الصحافة المكتوبة من توفير الأجواء المناسبة للنقاش و السجال الديمقراطي كما ساهمت بقوة في تشكيل رأي عام يعبر عن آرائه تجاه ما يحدث من أزمات سياسية كما حصل في قضية دريفوس الذي حوكم بالمؤبد سنة 1894 بتهمةالخيانة و التجسس لصالح ألمانيا

كان للصحافة دورا كبيرا في الحشد المضاد للرأي العام الذي انقسم بين مؤيد للحكم و معارض له  قبل ثبوت براءة هذا القائد سنة1899

هذه القضية عززت الانقسامات داخل فرنسا ووضعت القيم التي يقوم عليها النظام الجمهوري  موضع تساؤل

و قد كان للصحافة دورا مهما في تكريس الهويات السياسية للبلاد

رغم التقدم الإعلامي الحاصل على امتداد الربع الأول من القرن العشرين ظلت الصحافة بفرنسا تعاني من الهشاشة لأنها  إما كانت منحازة للحساسيات السياسية  يمين/ يسار أو لعالم المال و الأعمال و بالتالي ظلت صحافة دعائية مارست عليها الدولة رقابة و توجيها خلال فترة الحرب العالمي الأولى

فترة ما بين الحربين: بدايات الإعلام السمعي البصري

غداة الحرب العالمية الأولى شهد الحقل الإعلامي ظهور منافسين جدد للصحافة المكتوبة: الراديو، السينما ثم التلفزة في فترة لاحقة. كماعرف القطاع تنظيما مهنيا و تقنيا (التصوير الصحفي، المجلات، إدماج الكاركاتور ،التخصص الصحافي) إلا أن رقابة الدولة ظلت قائمة بما فيها التعتيم و التوجيه لمحطات البث الإذاعي الذي تطور و انتشر لتبلغ نسبة المستفيدين من خدمات الراديو عند اندلاع الحرب العالمية الثانية٪60 من عموم المجتمع الفرنسي

خلال الأزمة الاقتصادية 1929 و ما تلاها اضطلعت الصحافة الورقية بأدوار أساسية رغم تراجع أعدادها.كانت تتغدى من انعكاس الأزمة و آثارها على الأوضاع العامة .و قد ساهمت في إشعال فتيل سجال سياسي واكب أوضاع عدم الاستقرار الحكومي، ما أدى إلى انقسامات كبرى للرأي العام تجاه الواقع السياسي، هذا العنف الإعلامي  كان أحد عوامل اشتعال أزمة فيراير 1934 ، و حركة الاحتجاج المعادية للنظام البرلماني ، لقد كان للإعلام المكتوب دورا رياديا في تجييش الرأي العام ما أدى إلى إسقاط الحكومة و التمهيد لتحالفات مهدت لصعود "الجبهة الشعبية" بزعامة ليون بلوم

مع اندلاع الحرب العالمية الثانية، عملت الحكومة على تقوية مراقبتها لوسائل الإعلام، ففي ظل الاحتلال النازي ، فرضت حكومة فيشي وصايتها المطلقة على الإعلام الذي تحول بشكل مكشوف إلى أداة دعائية للمشروع الهتليري .و بهدف التصدي للدعاية الألمانية و لحكومة بيتان المتعاونة مع المحتل أصدرت حركة المقاومة صحفا و جرائد سرية بدعم و تمويل من حركة "فرنسا الحرة" التي قادها الجنرال دوغول يدءا من خطابه الشهير على  موجات الإداعة من لندن في يونيو 1940

و حيث إن حوالي ٪70 من الفرنسيين عند بداية 1943 كانوا يستفيدون من خدمات الراديو ، فقدانخرطت معظم مكونات المجتمع في سياق الحرب العالمية و الغزو النازي و المقاومة في إطار ما يعرف ب "حرب موجات البث الإداعي" ما بين 1940 و 1944

تزايد أهمية وسائل الإعلام في الديمقراطية الفرنسية

إعادة تجديد و هيكلة الصحافة

بعد تحرير فرنسا من الاحتلال النازي تم توقيف687 صحفيا من المتعاملين مع نظام فيشي من بينهم 99 صحفيا تم إعدامهم كما تم حضر الصحف التي كانت تصدر خلال الاحتلال و ظهرت الوكالة الفرنسية للصحافة التي برزت معها إرادة الدولة في إعادة هيكلة الصحافة و لذلك ظهرت مجموعة من المجلات و الجرائد الاخبارية الجديدة

 العصر الذهبي للراديو

بعد الحرب تعززت مكانة الإداعة و أصبح الراديو أول أداة للترفيه و الإعلام بالنسبة للفرنسيين

 أدى ظهور الترانزستور في نهاية الخمسينيات إلى ثورة في مجال البث الإداعي على المستوى الجهوي أو البث من الخارج مثلا من لكسمبورغ

مكانة التلفزة

إلى حدود 1954 كان بفرنسا 125000 جهاز تلفزة و سرعان ما انتقل هذا العدد إلى 10 ملايين جهاز  في نهاية الستينيات

سنه 1973 كان ٪86 من المنازل  تتوفر على تلفاز

انتبهت الطبقة السياسية إلى إهمية التلفزة في التواصل و الدعاية السياسية حيث استعمل الجنرال دوغول التلفزة لمخاطبة الفرنسيين 59 مرة مابين 1958 و 1969

العلاقات المعقدة بين و سائل الإعلام و السلطة

     الراديو بين الاستقلال و التبعية

سنة 1945 أصبحت الاداعة تحت وصاية الدولة و تعاقبت على إدارتهاعدة مؤسسات و كانت لها أوضاعا و تسميات مختلفة من 

ORTF ثم RTF  ثم RDF  

أما الإداعات المحلية فقد تطورت تدريجيا في المشهد الإعلامي و استعملت الطبقة السياسية هذه الوسيلة خاصة للتعبير عن رأي المعارضة

خضوع التلفزة للسلطة السياسية

كانت التلفزة حاضعة للنظام القائم و تحت إشراف وزارة الإعلام أما المعارضة فلم تكن تستفيد من هذا المجال ORTF و في مرحلة RTFفيعهد

وسائل الإعلام و الأزمات السياسية

لعبت صحافة التحقيق و التحريات دورا مهما في التعريف بمجموعة من القضايا و الفضائح السياسية مثل قضية اختطاف و اغتيال الزعيم السياسي المغربي المهدي بن بركة حيث أبرزت الصحافة تورط بعض المسؤولين السياسيين الفرنسيين في هذه القضية

أو فضيحة هدايا الماس التي قدمها امبراطور جمهورية إفريقيا الوسطى"" بوكاسا" للرئيس  الفرنسي فاليري جيسكار ديستان

مع تطور الترانزستور و انخفاض تكاليف البث الإداعي و سهولته أصبح المواطن الفرنسي في قلب الأحداث السياسية 

 MOHAMED  KAZAR

bottom of page