
التاريخ السنة الأولى: الشعبة الدولية
النمو الاقتصادي، العولمة و التحولات الاجتماعية منذ منتصف القرن XIX
الإشكالية :
كيف يؤثر النمو على التراتبية العالمية لمراكز الثقل الاقتصادي العالمي منذ منتصف القرن XIX ؟
Comment la croissance influe-t-elle sur la hiérarchie mondiale des centres de gravité de l’économie mondiale depuis le milieu du XIXe siècle ?
الجزء الأول: النمو و العولمة
مقدمة
من أواسط القرن التاسع عشر إلى بداية القرن الواحد و العشرين، عرف العالم تحولات أسرع و أعمق من ما عرفه خلال كل الحقب التاريخية التي سبقت هذه المرحلة
كانت هذه التحولات نتيجة النمو الاقتصادي المنبثق عن مسار للتصنيع انطلق، من انجلترا في نهاية القرن XVIII و انتشر في معظم أرجاء المعمور و لازال، و قد مر هذا التصنيع من مجموعة من المراحل،كانت المرحلة الاولى منه سريعة بالمقارنة مع التي تلتها، لكنهاعرفت أزمات دورية ( CRISES CYCLIQUES )
1. مراحل و مظاهر النمو الاقتصادي
النمو الاقتصادي من حيث المبدأ هو ارتفاع ملموس للإنتاج على أمد طويل و في ذلك يختلف عن التوسع الاقتصادي في الأمد القصير أو المتوسط
ا) عرفت الدول المصنعة فترات من النمو الاقتصادي القوي تخللتها أربع أزمات كبرى
1850/ 1873: تزامنت هذه المرحلة مع اكتشاف الذهب في كلفورنيا أدى إلى..... ( 1846/1856)
كما توافق هذه الفترة امتداد و توسع شبكة السكك الحديدية على المستوى العالمي ( تضاعف 5مرات في مرحلة الامبراطورية الثانية) و أخيرا عرفت المرحلة كذلك الإقلاع الاقتصادي للولايات المتحدة الأمريكية و بداية عصر الأنوار الياباني (الميجي 1868)
1896/ 1914 : تتويج هذه المرحلة بافتتاح قناة السويس سنة 1914، كان رمزا لأولى مراحل العولمة، صاحبتها مبادلات تجارية كثيفة، و أفواج من الهجرات البشرية. برزت الفوردية في الولايات المتحدة الأمريكية، و عرفت فرنسا ما يسمى "الفترة الجميلة" ( la Belle Epoque )
1920/ 1929 : رجع الازدهار و الرخاء الاقتصادي و ظهر المجتمع الاستهلاكي بالولايات المتحدة
1945/ 1973 : مرحلة الثلاثينات المجيدة ( LES TRENTES GLORIEUSES ) بمعدلات نمو قوية و غير مسبوقة. و هي فترات من الإزدهار و الرخاء، و توفر فرض الشغل، و الأمل في عيش أفضل، الشيء الذي يساهم في تفسير انفجار الولادات بالدول المصنعة في هذه الفترة.
ب) يمكن التمييز بين أربع أزمات كبرى ما بين 1850 و 2012
الانهيار الكبير ما بين 1873 و 1869 ، أزمة الثلاثينيات، أزمة السبعينيات و أزمة سنوات 2000
أزمة 2008، بالولايات المتحدة الأمريكية ( ؟ ) . حسب بعض المنطرين الليبراليين مثل ( Adam Smith و Ricardo ) ألأزمات مستحسنة لأنها تساهم في تنظيم السوق و أعادة التوازن بتنحية المقاولات الأقل كفاءة.في حين يرى منظرون آخرون، و خاصة قبيل أزمة 1929 ، ضرورة تدخل الدولة، لتجنب الأزمات و حل مشاكل البطالة.
2 . عوامل النمو الاقتصادي
قدم ، (Joseph Schumpeter) دراسة لعوامل النمو و التي ترتبط في رأيه بموجات من الإختراعات نتيجة الثورات الصناعية ، و يلاحظ أن النمو يمر من خمسة مراحل بين الاختراع (invention) و الابتكار ( innovation). كما أن النظام الرأسمالي يسير حسب مبدإ الهدم الخلاق (la destruction créatrice) الذي ينتج عنه اختفاء قطاعات اقتصادية لصالح قطاعات أكثر ابتكارية. لا يرتبط النمو الاقتصادي بعوامل اقتصادية فقط بل تتدخل عوامل أديلوجية و ثقافية و اجتماعية و سياسية...
3 . مراحل الاقتصاد المعولم ( Economies - monde successives )
يتناول هذا الجزء من الدرس إشكالية الاقتصاد المعولم منذ أن فرضت انجلترا نفسها كأول قوة اقتصادية خلال القرن XIX ، ثم انتقال الثقل الاقتصادي بعدها إلى الولايات المتحدة الأمريكية مع القرن العشرين، و أخيرا، انطلاق مشهد اقتصادي جديد لمسار العولمة.
ا) ابريطانيا، أول اقتصاد معولم من 1850 إلى 1914 .
اعتمد اقتصاد بريطانيا المعولم على قوة صناعية و مالية و استعمارية، حيث أنها مهد الثورة الصناعية في نهاية القرن XVIII ، نتيجة موقعها الجزري و بعدها نسبيا عن الصراعات و الحروب النابليونية... و اصبحت مصنعا للعالم ب 53٪ من الفولاذ العالمي و 34٪ من النقل البحري، و 22٪من الصادرات العالمية، تتوفر على أول قوة بحرية عسكرية في العالم لحماية "امبراطوربة" استعمارية شاسعة، و مراقبة الممرات و المضايق الإستراتيجية في العالم مثل قناة السويس.كما تحكمت في المعلومات ببناء شبكة كثيفة من للتلغراف عبر القارات.
بدأ تراجع القوة البريطانية مع العقدين الأخيرين للقرن XIX ، مع ظهور قوات صناعية جديدة بالقارة الأوربية خاصة ألمانيا، و الولايات المتحدة بالقارة الأمريكية.
ب ) الولايات المتحدة قوة شاملة ( Puissance globale ) خلال القرن العشرين.
منذ 1850 اعتمدت الولايات المتحدة على دعامتين أساسيتين للتصنيع و هما المجال الشاسع الذي يوفركميات كبيرة من المواد الأولية :
( الطاقة و المعادن) و النمو الديمغرافي الكبير حيث استفادت من الهجرات الأوربية التي وفرت يدا عاملة مؤهلة بتكاليف منخفضة.و بذلك ساهمت في الثورة الصناعية بابتكارات حاسمة منذ العقود الثلاثة الأخيرة من القرن XIX ، كما ابتدعت أساليب و تقنيات جديدة لتنظيم و تطوير الإنتاج ( التايلورية، الفوردية...)
إلى جانب استفادتها من الحرب العالمية الأولى، لتمتلك 40٪ من احتياطي الذهب العالمي و تمول المؤسسات و المشاريع الضخمة التي غزت الاقتصاد العالمي.
منذ الستينيات بدأت الولايات المتحدة تواجه بعض الصعوبات الاقتصادية حيث خرجت منهكة من حرب الفيتنام ( 1959 إلى 1975 ) و ظهر منافسون جدد على الساحة الدولية كالإتحاد الأوربي و اليابان و برزت قوى صاعدة خلال التسعينيات كالصين... و منذ أزمة الدولار وأزمة البترول في بداية السبعينيات، عانت الولايات المتحدة من عجز في الميزان التجاري. و أخيرا، هجمات 11 شتنبر 2001، و التي اعتبرها البعض رمزا لرفض القوة المتغطرسة للولايات المتحدة الأمريكية.
ج ) من اقتصاد معولم لقطب واحد إلى عولمة متعددة الأقطاب.
منذ السبعينيات نلاحظ زيادة و تسارعا في وثيرة رواج السلع و البضائع . ارتفعت نسبة الصادرات مع استعمال الحاويات التي خفضت تكاليف النقل بشكل كبير. كما نلاحظ نفس الشيء بالنسبة لحركة رؤوس الأموال و الاستثمارات المباشرة في الخارج. مكنت التكنلوجيا الجديدة للمعلومات و الإتصال ( NTIC ) من سرعة التواصل و تبادل المعلومات، بالإضافة إلى مساهمة الشركات العابرة للقارات في تقسيم جديد للعمل على الصعيد العالمي (DIT ) عن طريق إعادة التوطين (Délocalisation ) بحثا عن ظروف ملائمة للإستثمار كانخفاض الظرائب و كلفة اليد العاملة و وفرة المواد الأولية.
يمكن التمييز في هذه العولمة بين أقطاب كالثالوت الاقتصادي ( Triade ) و الدول الصاعدة الجديدة ( BRICS ) .