
الدرس الأول: الحربان العالميتان و آمال السلام
الموضوع بشكل عام يستوجب مفصلة تساؤلين لفهم تنظيم القرن XX :
-
كيف تعد الحربان العالميتان شاهدا على الولوج إلى عصر من الحروب الشاملة؟
-
كيف تولد الوعي تدريجيا بضرورة تنظيم العالم للحفاظ على السلم و توفير شروطه المواتية؟
بالنسبة للحرب الشاملة ، تمت صياغة هذا المفهوم مع نهاية الحرب العالمية الأولى:
Léon Daudet l’emploie dès 1918, mais il est popularisé par le maréchal allemand Ludendorff dans un ouvrage publié en 1935)
كما استعمل بعض المؤرخين المعاصرين هذا المفهوم للتعبير عن واقع يحيل على التحولات في واقع الأمر منذ الثورة الفرنسية و مرحلة الإمبراطورية، و تعد صراعات القرن العشرين ذروة هذا التحول في الحروب.
يشمل هذا المفهوم تجنيد الدولة لكل مواردها ( البشرية و الاقتصادية و المالية و التكنلوجية و الإيديلوجية...) لمدة طويلة و بدرجة غير مسبوقة، و تمديد المواجهة على رقعة واسعة لإبادة الخصم. و هو مبني على "دينامية التطرف" التي تؤدي إلى استعمال كل الوسائل الممكنة لتحقيق هذه الأهداف.
التوقف عند نماذج و أمثلة من الحرب الشاملة خلال الحربين ( تعميق هذا المفهوم بدراسة مجموعة من الأفلام الوثائقية للحربين و التعليق عليها)
في تعريف الحرب الشاملة قال ليون دودي:" الحرب الشاملة هي امتداد الصراع في مراحله الحادة أو المزمنة، إلى المجالات السياسية و الاقتصادية و التجارية و الصناعية و الثقافية و القانونية و المالية. ليست الجيوش و حدها التي تتحارب بل حتى العادات و المؤسسات و التقاليد و العقليات و خاصة الأبناك..."
من خلال هذا التعريف يمكن أن نستنتج أن الحربين العالميتين خلال القرن العشرين هما حربان مدمرتان. الحرب العالمية الأولى من 1914 إلى 1918 و الحرب العالمية الثانية من 1939 إلى 1945.
الحرب العالمية الأولى : تجربة قتالية داخل حرب شاملة.
1) حرب شاملة:
-
الحرب العالمية الأولى، صراع امتد في الزمان و في المكان
امتدت الحرب على مدى أربع سنوات و نصف: من 3 غشت 1914 إلى 11 نونبر 1918، و قد أدى ذلك إلى إنهاك العتاد و الرجال ( جيوش و أسرى)
كما تميزت هذه الحرب بامتدادها في المجال، حيث مست كل أوربا، كما مست المستعمرات نتيجة سيطرة الامبراطوريات الاستعمارية على مناطق شاسعة من العالم، فضلا عن استعمال أساليب و و سائل متنوعة لهزم الخصم، كالحصار و الضغط على القوى المحايدة، و افتعال حروب هامشية...
تواجه خلال هذه الحرب الحلفاء: ( دول الوفاق) المملكة المتحدة و فرنسا و روسيا و إطاليا و اليابان و البرتغال و الولايات المتحدة . ضد دول الوسط: الامبراطورية الألمانية و الامبراطورية النمساوية الهنغارية والامبراطورية العثمانية و بلغاريا.
-
الحرب العالمية: حرب حاشدة
استعملت الحربان العالميتان حشودا غفيرة من المجندين
كان أعداد الجيش كثيرة، جندت الحرب العالمية الأولى 12 مليون رجل بما فيهم جنود الميتعمرات " الأهالي" و كانت الخسائر في الأرواح مهولة 10 ملايين بالإضافة إلى 20 مليون من المعطوبين و 5 ملايين من الأرامل و 9 ملايين من اليتامى.
-
حرب تكنلوجية
أدت الحربان إلى تطور كبير في مجال صناعة الأسلحة و إلى التسابق في مجال الإبداع و الاختراعات العلمية، استعملتا أسلحة جديدة كالقنابل اليدوية و الدبابات و الغازات الخانقة ( رغم أنها كانت محضورة بموجب اتفاقية لاهاي 1899) المناطيد و الطائرات و الغواصات...
-
تميزت الحربان العالميتان بالإرادة السياسية في إبادة الخصم
منذ 1914 ادى منطق الحرب الشاملة إلى مراقبة السكان مدنيين و عسكريين، كما أدى إلى الرقابة على الصحافة و مراسلات الجنود و أقامة محاكم عسكرية و استعمال أساليب الدعاية للحرب... كما ظهرت بفرنسا " الوحدة المقدسة" و هو تحالف جميع التيارات السياسية و الايديلوجية مع الحكومة الفرنسية لمؤازرة المجهود الحربي. كما تحول الاقتصاد إلى اقتصاد موجه لتمويل و تموين الحرب.
2) وضعية الجنود " القتال تحت عاصفة من الفولاذ"
حرب الخنادق و قساوة ظروف الحرب ( وثيقة)
4) مست الحرب العالمية الاولى حتى المدنيين.: جندت الحرب العالمية " الجبهة الخلفية" أي المدنيين الذين تم الاعتماد عليهم للعمل بالمصانع و الحقول... أنتجت الحرب أصنافا من العنف،
"كالحروب المسبقة" حيث تعمل الدعاية و الملصقات على تجسيد صور بشعة و مخيفة أو محتقرة للعدو.
العنف الذي يعيشه الجنود و المدنيون مباشرة نتيجة الغارات و القصف المباشر و التدمير و الحرق و استعمال الغازات الخانقة...
كما كانت الحرب العالمية الأولى مسرحا لأول إبادة خلال القرن العشرين:
الحرب العالمية الثانية حرب إبادة
مع أمال السلم كان من المنتظر أن تكون الحرب العالمية الأولى أخر حرب كونية " حسب التعبير الفرنسي" خاصة مع ظهور عصبة الأمم ، و هي منظمة دولية للحفاظ على السلم، و ذلك بالبحث عن حلول للمشاكل و النزاعات بين الدول الأعضاء بدون اللجوء إلى العنف. و رغم بروز أفكار تدعو إلى السلم بين الديمقراطيات الأوربية الغربية فإن الإيديلوجيات الامبريالية و القومية و صعود الانظمة الكليانية بالإضافة إلى المعاهدات غير المنصفة و غير العادلة التي فرضتها الدول المنتصرة على الدول المنهزمة و نتيجة الأزمات التي نتجت عن الحرب... ظهر سياق من التوتر الذي سيؤدي إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية و التي ستكون أشد عنفا و ضراوة من الحرب العالمية الأولى:
تميزت الحرب العالمية الثانية باعتمادها أيديلوجيات توجه نحو العنف و أبادة العدو
منذ 1923 و 1924 عرض أدولف هتلر قواعد سياسته المستقبلية في كتابه " كفاحي" الذي كتبه عندما سجن إثر فشل المحاولة الانقلابية ضد جمهورية "فيمار" التي قبلت و قعت معاهدة فرساي مع الحلفاء. يركز هتلر لحل مشاكل ألمانيا على فكرة المجال الحيوي، و هي جزء من المجال الأوربي الذي سيسيطر عليه بالقوة و يضيفه إلى المجال الألماني، و يبرر هذا الاختبار بفكر عنصري ، مفاده أن الجنس الآري هو الجنس الأفضل و الذي يجب أن يسود العالم...